الأربعاء، 9 يناير 2013

أمـــــل

أمــــــــــل
لم يكن يشعر حينها بلذة الحياة , فيومياته مليئة بصخب الدنيا وضجيجها , كانت ابعد نقطة يتطلع اليها هي بلوغه خط النهاية ولا يهم ان حصل على مرتبة متقدمة في مضمارها ام لا فهو يعلم جيدا ان لا مكان للمحرومين عند الشريط .. ! لم يكن يأسا بمعنى الكلمة لكن الصورة المشوهة التي تولدت في واهمته نتيجة تقادم الزمن الممتلئ بفوضى النصوص و ازدحام الامكنة و تشابك الصفات الشخصية وتداخلها حتى عند الشخص الواحد في مدينته التي طالما ارادها فاضلة جعلت منه لا يأبه للنتائج , صورة شوّهت اجمل الاشياء النقية في الحياة و امكنة احرقت كل من يحاول المغامرة لاستراق نظرة عذرية الى ذلك الجمال الأخاذ عبر ممراتها واشخاص مجانين يصرخون بوجهه حين يضع خطواته في محلها او حين يتسرب شيئا من الحلم الجميل خارج اطار روحه الغضة ! .. فوضى قيّدت كل احلامه في بلوغ السعادة وفقا للطريقة التي ترسمها تلك الواهمة التي لم تزل تنجب بلا هوادة صغار احلامها التي سرعان ما تموت او تتقزم عند خروجها الى مضمار الحياة المحتدم بالصراع .. غير ان تلك الواهمة الولود واصرارها العجيب على انتاج الاحلام منحته هذه المرّة جرعة امل كبيرة , جرعة تضخمت حتى استولت على رحم تلك الواهمة فأحكمت سيطرتها على ماكنة تفريخ الاحلام وافرغتها من فوبيا مواجهة الصراع الذي طالما قتل صغارها و حوّل الاخرى الى محض تماثيل صغيرة مهشمة تحت اقدام سادة القوم ذوي العقول الحبلى بزَبد الجاهلية العمياء و غرست بدلا عنها عشبة خضراء ندية , عشبة يراعاها كل يوم في مخيلته , ينظر اليها وهي تتمايل يمينا وشمالا وهي تقاوم رياح الفوضى , ربما تكون تلك العشبة التي وصفها الرازي او ابن البيطار في مخطوطاهم ونصحوا امثاله باقتنائها لتمنحه القوة اللازمة لبلوغ خط النهاية والحصول على مرتبة متقدمة في مضمار الصراع المتجدد , غير ان تلك الجرعة ورغم قابليتها السحرية لم تكن قادرة على منحه امكانية بلوغها فهو لم يزل عاجزا تماما عن الاقتراب منها و لم يكن السبب هذه المرّة ناتجا عن صخب وصراخ المجانين او طلاسم النصوص المتحجرة كمومياء انسان العصور الجليدية القديمة او بسبب تعدد اقنعة المحيطين فقد اعطته تلك الجرعة قدرة خيالية على الفصل بينها و تحديد مساره نحو هدفه بكل ثقة .. لقد كان السبب هذه المرّة يكمن في رغبة العشبة الجميلة الغضة نفسها !! لقد آثرت ان تبقى في تلك الارض القاحلة تصارع الفوضى و تأبى النزوح الى روحه التي تفتقت عن امل يحدوه كل حين في قطع شريط النهاية بتفوق هذه المرة ..!! ما اصعبها من لحظة كادت ان ترديه لو ان مخيلته وعدته برعاية تلك العشبة الجميلة حتى النهاية , فربما ستقتنع يوما بمغادرة مكانها في بوابة الصراع لترافقه الى عمق الحلم ....
فــاهـــم ســـوادي

الاثنين، 29 أكتوبر 2012

فـشــــل كــلــــوي ..




لم يعد خافيا على كل ذي لب ان العملية السياسية تمر بأزمة حقيقية حادة تكاد تعصف بكل احلام المتفائلين ببناء دولة تسودها قيم المجتمع المدني و تتخذ من الديمقراطية وسيلة للتقارب و التفاهم بين مختلف الاتجاهات الفكرية و الثقافية و السياسية ولأسباب كثيرة نجمل منها ما يمكن ان نعدها اسبابا مباشرة ربما يتفق اكثر العراقيين على اعتبارها الاخطر على مستقبل العراق السياسي والامني ومنها التباين الكبير في فهم وتفسير نصوص الدستور العراقي وخصوصا المتعلقة بإدارة المراكز القيادية او توزيع الثروات و انعدام الثقة بين اطراف العملية السياسية ويكرس هذا المعنى الانقسام الحاد داخل مؤسسات الدولة التشريعية و التنفيذية نتيجة غياب التعاون والعمل بروح الفريق الواحد لاختلاف الاهداف و الغايات والارتباطات و المصالح اضافة الى كفر العديد من اطراف العملية السياسية بخيار الديمقراطية لقيادة الحياة في العراق واستبدالها بمنهج المحاصصة و التوافقات الانية التي سرعان ما تنهار عند حدوث اي متغير سياسي او اقتصادي من شأنه اعادة ترتيب اولويات العمل الحكومي . لقد غيبت هذه الاسباب وغيرها احد اهم وابرز مخرجات النظام الديموقراطي  و المتمثلة بوجود معارضة برلمانية قوية تولد مباشرة بعد تشكيل الحكومة وتعمل الى جانبها ليؤدي مجلس النواب دوره الرقابي الدستوري الفاعل والا فان حكومة بلا معارضة كجسم بلا مناعة سرعان ما تفتك به الآفات و السموم أو لان  السلطة التنفيذية حينما لا تشعر بسيف الرقيب مسلط على رقبتها فأنها تستمر في العمل وفقا لرؤيتها الضيقة . أن غياب المعارضة الذي ساهم به الجميع نتيجة تبني مفهوم المحاصصة و التوافق في توزيع ادارات الدولة ساهم بشكل مباشر في حماية و تعزيز الفشل والارهاب والفساد بأعراف وقواعد سلوك سياسية ولدت من رحم المحاصصة الفاسدة حيث نسمع عشرات التصريحات الطنانة المتبادلة التي لا يقصد منها سوى ابتزاز الخصوم والتي تشير الى امتلاك هذا الطرف او ذاك لوثائق ادانة تثبت تورط جهات او شخصيات كبيرة بعمليات مخالفة للقانون قد تصل الى درجة ارتكاب جرائم بشعة دون ان ينالوا جزائهم العادل . أن عملية بناء الدولة وفقا لمبادئ الديمقراطية انما تهدف إلى توحيد أبناء الدولة حول روابط ثقافية واجتماعية وتاريخية تربطهم كأمة حيث ينمو و يتعزز مفهوم المواطنة وفي حالة تعطل مؤسسات الدولة و عجزها عن تكريس هذه المفاهيم كما هو الحال في العراق حاليا ، تصبح عملية البناء السياسي السليم تحديا بالغ الصعوبة لهشاشة الركائز الاساسية التي بنيت عليها العملية السياسية و تنذر بفتح الابواب امام ازمة تقود الى مأزق وطني شامل . ان مثل هكذا ازمة لا يمكن ان نعدها الا بمثابة المرض الخطير الذي يهدد مستقبل البلاد بشكل عام حيث لا يمكن ان نتوقع اي نمو او ازدهار في ظل عملية سياسية تتجاذب اطرافها صراعات و مهاترات كبيرة تقف عائقا امام اي تطور حضاري او نمو مدني فهي بمثابة الفشل الكلوي الذي يصيب جسم الانسان حيث لا امل في الشفاء الا بأجراء تداخل جراحي لزرع كلية جديدة بعملية محفوفة بالمخاطر و بنسب نجاح متدنية و رغم ذلك يبقى الحل الامثل عوضا عن الحلول الترقيعية التي قد تفقد فعاليتها بشكل تام ...

الأحد، 28 أكتوبر 2012

بالـــطـــــــــول .... بـالــعـــــــرض ..!



بــالـــطــــول ... بـــالـــعــرض
منذ ما يقرب من العشر سنوات تشهد ما توصف اعلاميا - بالعملية السياسية - صراعا مريرا بين اقطابها على مختلف الاصعدة لم يجني العراق منه الا مزيدا من الدمار و التخريب و التخلف في شتى الميادين , دمار تجاوز حدود المألوف في المجتمعات التي تشهد تغييرا في نظمها السياسية والتي تخضع لهيمنة سياسية و اقتصادية و عسكرية , ابرز العلامات الفارقة في هذا الصراع هي رغبة الجميع في اقصاء الجميع ! فلا نقطة التقاء واحدة تبعث نحو تبني اطرافها لمشروع بناء دولة الجميع والقاسم المشترك بين الفرقاء هو التناقض العميق حتى بين اطراف الفريق الواحد . فكرة حكومة الاغلبية السياسية التي اوجدتها الديمقراطية في بقاع الارض لم تجد لها موطئ قدم على ارض الرافدين لاشتباك اسنّة الزعامات الدينية و العرقية و التدخل السافر للقوى الدولية والاقليمية في ساحة الصراع الذي تخطى حدود المنطق السياسي المألوف و أقحم  (مراهقي السياسة ) في اتون معمعة لعبة المعادلة الصفرية ! فلا تطور ايجابي ينسجم مع حجم التضحيات الجسيمة التي دفعها الشعب طوال عمر – العملية السياسية – ولا امل على الأمد القريب في اقتحامهم للعبة المعادلات المنطقية التي تستند الى الاتكاء على الثوابت و ليس المتغيرات والاسباب كثيرة . استمرار الازمة السياسية الخانقة تعكس في نهاية المطاف حقيقة الصراع المستميت بين الكتل السياسية على توزيع غنائم السلطة و تبين فشل ( مراهقي القيادة ) في ادارة الصراع على نحو بنّاء يوفّق بين المصالح الفئوية و مصلحة الوطن العليا .. كل ما يثار على وسائل الفضائيات و الصحف و المواقع الالكترونية حول شكل المنهج او الرؤية السياسية الجديدة التي يلّوح البعض باعتمادها للخروج من عنق الزجاجة و فتح افاق العملية السياسية المغلقة منذ نشأتها ليست سوى محض استهلاك لمصطلحات سياسية , فلا حكومة شراكة بمفهومها المحاصصاتي ولا حكومة اغلبية سياسية تنطلق من بعد مذهبي قادرة على وضع القدم على جادة الصواب .. الدفع و الجذب أو الشد في التصريحات – الجنجلوتية - لكبار ساسة العراق لن يسهم في فتح الآفاق المغلقة لتجاهلها اهم دعائم التنشئة السياسية في المجتمع  التي ينبغي توفرها لتحقيق مقدمات النجاح هي تعزيز و تكريس و ترسيخ و تجذير مبدأ المواطنة و الانتماء الوطني بدلا عن لعبة توازن المكونات .. و يبقى مفتاح الحل بيد الشعب أن راد تغيير المعادلة لمصلحته في الانتخابات القادمة .
فــاهم ســـوادي


الخميس، 25 أكتوبر 2012

المترفـــون ..... عـــثّــــه !



المترفون  ....( عثـّه ) !  
                
يعرّف اهل اللغة الترف بقولهم .. هو التنعّم و المُترف من كان مُنّعم البدن مُدلّلا .. وهو الذي أبطرته النعمة و سَعةُ العيش و اترفته النعمة اي اطغته ....
 لا ازيد في النقل خشية الغرق في عمق المعاني فأكتفي بهذا التقديم البسيط ليكون مدخلا لمعرفة اخطر انواعه التي انتشرت كانتشار الأَرَضَة ( العثـة ) في جذع نخلة عجوز تكاد تسقط دون ان تمسسها ريح ..! المترفون أو الأَرَضيّونْ اصبحوا اليوم حجر عثرة امام تقدم نمو حرية الانسان في العراق فهم يسهمون بشكل كبير في اخضاع الاخرين للقبول بقيم اجتماعية و سياسية فاسدة بدلا من دفعهم لتبني مواقف مناهضة لها و عندما اقول فاسدة فإنما اقصد المعنى بتمامه, واخطر انواعه الترف الثقافي و الترف الديني ..الاول يقوده المثقف المترف الذي حول المنظومة القيمية و الفكرية و الحضارية الى مادة يستهلكها بشكل يومي لترتيب اموره الحياتية ولو على حساب التزامه الاخلاقي و الوطني و سلعة كمالية يستعرضها عند الحاجة فسخر نصوصه لخدمة السلطة لا الدولة فجلد بها الوعي و النباهة الاجتماعية حتى اصبح شرطيا لم يفقه شيئا من مبادئ حقوق الانسان فأستحب العمى على الاستبصار و التبصير فانحدر بالمستوى الذهني للمجتمع الى التفتيت و التكسير بدلا من البناء الرصين .. لقد نسف هؤلاء نظرية ( الكلمة / الرصاصة ) و اعادوا صياغتها بطريقة جديدة وجهت فيها الرصاصة الى جسد المجتمع فأردته صريعا , بعض المترفين من هذا النوع لم يسمحوا للسلطة بامتطائهم مباشرة و لكن خوفهم و انكسارهم دفعهم للبحث عن جحور مظلمة حتى نافسوا الصراصر في مساكنها فأصبحوا متلبسين بشعور دائم يدفعهم للصراخ و لكن في حدود اقبيتهم المظلمة ! فساهموا بشكل مباشر في عزل و تغييب المثقف العضوي الملتصق بقضايا وهموم الوطن والمهتم بدعم حرية الكلمة . النوع الاخر من الترف الأَرضَوْي هو ذلك المرتبط بالسلوك الذي يتمحور حول تقديم القيم و الممارسات الدينية كممارسات كرنفالية خالية من اي بعد روحي و اجتماعي قادر على بناء نظم حياتية تهب الانسان حريته الفكرية و تمنحه طاقة متجددة للتغيير و التجديد ورفض الخضوع و التبعية و الانقياد الاعمى و مجابهة الانحراف .. دين يدفع المجتمع لعبادة وثنية لا تمت تعاليمها الى السماء بصلة , دين لا يتعدى اثره بعض الممارسات الباهتة المرتبطة بمظاهر خارجية ,لحية طويلة , جلباب , خواتم و بضعة القاب  !! دين يستطيع الكل الانتماء اليه دون ان يكون لهم القدرة لمعرفة و ادراك ماهيّة هذا الانتماء و ما يفرضه عليهم من التزامات . نوعي الترف يسهمان بشكل كبير وخطير في استنزاف و افراغ محتوى الانسان الفكري والروحي و يبعثان بقدراته نحو مجاهيل الوهن والضعف و السلبية و الفشل في تنظيم شبكة علاقاته الاجتماعية القادرة على التواصل الانساني و الحضاري . دعوة لفرز و تشخيص و محاصرة دودة الأرضَة و مكافحتها قبل ان تنخر بجذع النخلة العتيدة ...

فـــاهــــم ســـــــوادي

الأحد، 23 سبتمبر 2012

أجــــلال الحـــكــومـــة !!



أسدت لي جدتي يوما ما وصية بطريقتها الفطرية تقول وكأنها تتوعدني ( لا يغرك أجلال الحكومة .. يجي يوم و ينخرط من ظهرك ! ) لم أكن حينها افهم معنى مفردة اجلال و لا ادري ماهي علاقته بالظهر لأن البيئة الاجتماعية الحضرية التي نشأت و ترعرت بها لم تكن تتداول مثل هذه المفردة او ما يشابهها رغم اني من اصول ريفية عميقة , و لمن لا يعرف معنى المفردة اقول ان الجلال هو قطعة قماش بالية توضع على ظهر الخيل والحمير و الدواب لحمايتها من الحمولة او من الظروف الجوية القاسية ..! قالتها جدتي عندما رأتني مرتديا بزة ( الطلائع ) و ممسكا بعصا الوّح بها على رؤوس اولاد الجيران الصغار يملاني شعور بالفخر و الزهو لأني وضعت اول قدم على طريق حيازة القوة الغاشمة ..! شعور فطري كان يمكن ان يستحكم لو لم تكن الجدة بالمرصاد , تذكرت جدتي و نصيحتها عندما شاهدت سلوك الذين تقلدوا مناصب مهمة فراحوا يوظفونها لقهر الاخرين دون اعتبار للأمانة و المسؤولية القانونية و الاخلاقية فضلا عن استغلالهم المناصب لمصالح شخصية ضيقة , قصص مختلفة تحكى هنا و هناك عن حالات كثيرة للاستغلال الوظيفي بأشكال و انواع مختلفة و لا فرق بين مسؤول كبير و آخر صغير و لا فرق ايضا بين القهر لتمرير قرارات ادارية غير صحيحة او لتثبيت ارادة سياسية عنوة او لتمرير صفقات لمشاريع و مقاولات بملايين الدنانير لشركة انشأت حديثا للمسؤول باسم شخص اخر أو لمن يدفع له تحت الطاولة ... مثل هذه الممارسات و تلك لا يمكن القضاء عليها عندما تترك القضية لأخلاق الناس و ضمائرهم فننتظر ان يصحوا يوما ما و يعودوا الى رشدهم و يتجنبوا استغلال المنصب الوظيفي ما لم يوضع نظام يضبط سير المجتمع وله القدرة على وقف التجاوزات المستمرة على القانون و القيم الاخلاقية الوظيفية .. نظام له القدرة على ( خرط الجلال ) بكل سهوله دون ان تدخل العملية في حسابات توزيع القوة النفوذ للأحزاب و الجهات الحاكمة .. نظام لا يسمح بأن ينفرد فصيل او فصيلين في بناء مؤسسات الدولة المختلفة فتستباح لمصالحهما فتفقد هذه المؤسسات فاعليتها وقوتها المستمدة من قوة القوانين فتنمو قوة غاشمة لهذا الحزب أو ذاك على حساب قوة الدولة  بعد ان تكون القاعدة الرئيسية في توزيع المناصب و المسؤوليات هي القوة النسبية للأحزاب بدلا من اعتماد معايير الكفاءة و المهنية و النزاهة و الوطنية . لقد فسح هذا الواقع السيء المجال واسعا امام الكثير من عناصر الفصائل المستأثرة بمراكز القرار للعب دور ( الطلائعي ) الذي مارسته على اصدقائي الصغار لفترة قصيرة  قبل ان تقضي عليه قراءة جدتي الواقعية لحقيقة استعارة السلطة لوهلة من الزمن فتسببوا في زعزعة ثقة المواطن  بمؤسسات الدولة بشكل عام لأن المسؤول عن تطبيق القانون قد اصبح فوق القانون نفسه منطلقا في افساده من برنامج سياسي موبوء ملقيا بكل تبعاته السلبية على المجتمع دون ان تكون لهم جدة تذكرهم باستمرار بانهم مجرد موظفين مستخدمين لتقديم الخدمة العامة و ان عناوينهم التي حصلوا عليها ليست سوى استعارة مؤقتة سيتخلون عنها عند اي تغيير في قواعد اللعبة السياسية ..

فــــاهــم ســــوادي

الخميس، 20 سبتمبر 2012

الــعـــراق الــــى أيــــــن .. ؟

 لم يعد فشل الحكومة العراقية وعجزها في تحقيق ادنى مستويات الاصلاح الاقتصادي والسياسي والامني يخفى على كل ذي لب داخل البلاد بل صار محل إجماع المنظمات والهيئات الدولية المهتمة بمختلف الشؤون العراقية , واقع الحا
ل يؤشر استمرار الحكومة في سياساتها الفاشلة وعدم جديتها في تطبيق إصلاحات من شأنها تحسين اوضاع الشعب و تخفيف معاناته المستمرة بل العكس من ذلك حيث تتجه الأوضاع إلى المزيد من التدهور ، الخطوط البيانية للفساد المالي والاداري لازالت تؤشر ارتفاعا مستمرا و غلاء المعيشة ينهك المواطنين و الخدمات في تراجع والبطالة في تضخم مستمر و الامراض الاجتماعية المصاحبة لها في تتفاقم بشكل مطّرد حيث ارتفاع نسب تعاطي المخدرات و حبوب الهلوسة بين الشباب و زيادة معدلات الجريمة و الجريمة المنظمة و ازدياد حالات الطلاق بشكل مخيف , و( الديمقراطية ) و الحريات المدنية في انحسار , الحريات الاعلامية في تقهقر حيث لازالت تستنشق زفير ديكتاتورية الامس التي اطلت بثياب جديدة فضفاضة .. و فوق هذا كله صراع مهلك للحرث و النسل بين اقطاب ما يعرف بالعملية السياسية التي تمخضت عن مهزلة كبيرة اسمها الانتخابات ... انتخابات بمقاسات مطاطية و قوانين متحركة بين لحظة و اخرى انجبت من رحمها الف معضلة و معضلة ..... الذي حصل هو اصطفافات جديدة وتكوين كتل سياسية كبيرة وفقا لتصانيف و اعتبارات قومية وطائفية ودينية وقد سميت هذه الكتل بالمتنفذة سرعان ما أحتدم الصراع بينها حول السلطة والمناصب والنفوذ والأموال مع استمرار التدهور في الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية والخدمية و أنتشار ظاهرة الفساد في كل مرافق الدولة ، ثمَ تبلورت الاتجاهات حول مراكز القوى فأصبح نتيجة الخلافات، العمل على أفراغ المؤسسات الدستورية من محتواها والتعامل مع الدستور بصورة انتقائية وتصاعد الصراع السياسي حول شكل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي . صراع يحرق ارض العراق و شعبه يدار بالنيابة عن مصالح قوى دولية و اقليمية اختلفت سياسيا فيما بينها ولكنها اتفقت على ادارة صراعاتها في ارض العراق حيث لا عدالة الا بتوزيع الموت و الخوف على ابنائه من الشمال الى اقصى الجنوب بصورة متساوية ... ولا ضوء في آخر النفق .! فمستقبل العراق يقف اليوم على مفترق طرق جائر .. حيث استفحال و استحكام الازمة السياسية بكل تداعياتها و تكريس مبدأ المحاصصة و الطائفية التي وصلت الى ابسط دائرة في كل مؤسسات الدولة حيث تبدأ الخطوات الاولى بهذا الاتجاه السيئ من تحت قبة البرلمان الذي اصبح معبرا عن ارادة رؤساء الكتل ومصالحهم عوضا عن رغبات الشعب و آماله و تطلعاته ولا امل في فك شفرة المشكلة و تبديد مخاوف الناس بل على العكس من ذلك تماما حيث يجمع كل الفرقاء السياسيين على فكرة واحدة تحول مفوضية الانتخابات الى شركة تتولى جمع اصوات الناخبين و توزيعها وفقا للتفاهمات المسبقة المرتكزة على المحاصصة الطائفية و القومية و الحزبية و الغرض من ذلك واضح و جلي الا وهو الرغبة الجامحة في البقاء على قمة المسؤولية بكل الطرق الممكنة و حتى لو اقتضى الامر سحق كل القوانين و الانظمة و النصوص الدستورية التي شرعت من اجل تنظيم الحياة السياسية في العراق دون أي تدخل ايجابي من الجهات القضائية المختصة لأن القانون اصيب بالشلل ايضا و غدى اسيرا لإرادة سياسية متوحشة تريد التهام الجمل بما حمل .. لقد ادخلوا مفوضية الانتخابات في فرن المحاصصة الطائفية و القومية المقيتة ليقتلوا أي حلم في الخلاص من المحاصصة بعد قرروا زيادة عدد اعضائها من 9 الى 15 تلبية لمطالب الاطراف التي لم تجد من يمثل مصالحها السياسية داخل المفوضية بدلا من العمل على ضمان استقلاليتها !! وعبثا نحاول التصديق بإمكانية حصول تغيير ايجابي عبر نافذة الانتخابات التي تديرها و تشرف عليها المفوضية وسأقول جازما بان الوجوه و العناوين التي فازت في الانتخابات السابقة هي نفسها ستكون حاضرة مرة اخرى في الفترة القادمة ما دامت الديمقراطية المزعومة تهان بشكل يومي من قبل البرلمان و الكتل السياسية الممثلة فيه .. فأي استخفاف و أي اهانة توجه الى هذه الديمقراطية ونحن نرى و نسمع بأن دعاتها يطالبون بتحقيق التوازن الطائفي في ادارة مفوضية الانتخابات التي يحرصون على تسميتها بالمستقلة ؟! اية كذبة يراد تمريرها لتبرير كل المخالفات القانونية و الدستورية ؟ أن هذا الامر يؤكد بما لا يقبل الشك ان الاحزاب الحاكمة تسعى بقوة لتعزيز مكانتها و وزنها في المرحلة المقبلة من خلال اشراك عناصرها في مجلس المفوضين لتحقيق التفوق على الخصوم و اساءة استخدام الصلاحيات التي يمنحها الدستور لأعضائها ... مستقبل معتم تواجهه العملية السياسية في العراق في ظل سيطرة قوى معينة على اهم حلقة من حلقات تنفيذ اجراءات الديمقراطية خصوصا مع استبعاد عشرات العناصر الكفؤة من ناشطي المجتمع المدني التي تقدمت لشغل مناصب فنية في المفوضية حيث ستسقط صفة الاستقلالية عن المفوضية و ستصبح ملكا لمجموعة متنفذة من احزاب السلطة و ستكون كل معايير الشفافية و النزاهة في مهب الريح وبهذه الالية الجديدة سيتم اقصاء كل القوى الوطنية الساعية لتحقيق التغيير المطلوب لبناء دولة معافاة من امراض الفساد و التبعية و العمالة .. ان التغيير العميق في بنية العملية السياسية بالشكل الذي يحقق نقلة نوعية بمستوى اداء مؤسسات الدولة و يفك ارتباطها نهائيا بالمصالح الحزبية و الفئوية الضيقة لا يمكن ان يتم بدون فهم دقيق لطبيعة المرحلة الراهنة وادراك خطورة الاساليب المتبعة لمصادرة حق المواطن في اختيار من يمثل مصالحه بشكل واقعي و تحديد المواقف العملية منها و رصد انحرافات السلطة على مختلف الاصعدة للحيلولة دون تكرار الاخطاء السابقة و لمنع الوقوع في فخاخ الشعارات و الخطابات الزائفة التي ساهمت في سلب حق المواطن في الاختيار السليم بصورة مباشرة او غير مباشرة من اجل وقف هذه المهزلة المتكررة ...
 
فــــاهـــــــم ســــوادي

الخميس، 13 سبتمبر 2012

بين حانه ومانه ...

بين حانه ومانه .. ضاعت لحانه

في البداية وقبل ننزلق في هاوية الاحلام و التخريفات ونحن نبحث وسط ركام النظم السياسية التي نظّر لها اهل الاختصاص و اشبعوها شرحا و تفصيلا لكي يتعرف الانسان العادي على شكل النظام السياسي الذي يؤ
من له احتياجاته المختلفة لابد ان نقدم تعريفا يتسم بالوضوح الشديد لبيان معنى الدولة المدنية التي حملتها الينا ديمقراطية رجال الكاوبوي و غلمانهم الصغار ثم ننظر بعد ذلك الى واقعنا الاجتماعي و السياسي لنقارن بين ما بين ما تختزنه منظومة حقوق الانسان و المبادئ الاساسية لبناء الدولة المدنية و بين ما يراد تسويقه في المجتمع العراقي من افكار ومفاهيم تكرس نمطا ثقافيا وسياسيا احادي النظرة و السلوك يهدف الى اقصاء الشريك الاخر مهما كانت طريقة تفكيره ما دامت لا تتفق في جوهرها مع نسقه الثقافي او رؤاه السياسية . فقد سيق المجتمع العراقي الذي خرج منهكا من فوهات بنادق و مدافع البعث وزنازينه و معتقلاته باحثا عن بارقة امل جديدة ترسم له ملامح دولة عصرية طالما راودته احلامها الجميلة ليلحق بقطار الحضارة و الرقي الا ان القيود ابت مغادرة معاصمه حين استبدل الجلاد بزته الزيتونية بعباءة و عمة و جلباب ( طال او قصر ) و بضعة خواتم بإصبع واحد !! للإشارة الى عمقه ( الاسلامي ) ولتشعر الانسان العراقي ان النضال ضد الدكتاتورية لا يزال قائما و لكن بعنوان جديد هذه المرة فقد تقمصت دور المصلح الديني و ارتدت جلبابه تارة وتارة اخرى بزة رسمية انيقة يفوق سعرها قيمة من تهافت على ارتدائها مسارعا الى ترك شاربه وذقنه الكث بأقرب حاوية قمامة ليبدو علمانيا حد النخاع حتى اختلط الحابل بالنابل ولم يعد يعرف اي من اي أو كما يقول المثل الشعبي ( بين حانه ومانه ضاعت لحانه ) فكلا البزتين تحملان في مخابئهما السرية الف كذبة وكذبة والف خدعة و خدعة تبعدنا مئات السنين الضوئية عن ابسط تطبيقات الدولة المدنية التي تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن القومية والدين والفكر والتي لا يمكن ان تتخلى عن مجموعة من المبادئ الاساسية ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروطها وأهمها (( أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر. فهناك دوما سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك... فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم , ومن مبادئ الدولة المدنية الثقة في عمليات التعاقد والتبادل المختلفة، كذلك مبدأ المواطنة والذي يعني أن الفرد لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أي أنه عضو في المجتمع له حقوق وعليه واجبات. وهو يتساوى فيها مع جميع المواطنين. حيث أن هذه القيم هي التي تشكل ما يطلق عليه الثقافة المدنية، وهى ثقافة تتأسس على مبدأ الاتفاق ووجود حد أدنى من القواعد يتم اعتبارها خطوطا حمراء لا ينبغي تجاوزها )) وبعد ملاحظة هذا القدر البسيط و المقتضب من معايير الدولة المدنية استجمع شيئا من بقايا شجاعتي الفطرية و اسأل السؤال التالي هل ان دعاة الاسلام او العلمانية في العراق امتلكوا قدرا معتدا به من قيم الدولة المدنية في وجدانهم ومارسوا جهد محسوسا لترسيخها ؟؟