الاثنين، 29 أكتوبر 2012

فـشــــل كــلــــوي ..




لم يعد خافيا على كل ذي لب ان العملية السياسية تمر بأزمة حقيقية حادة تكاد تعصف بكل احلام المتفائلين ببناء دولة تسودها قيم المجتمع المدني و تتخذ من الديمقراطية وسيلة للتقارب و التفاهم بين مختلف الاتجاهات الفكرية و الثقافية و السياسية ولأسباب كثيرة نجمل منها ما يمكن ان نعدها اسبابا مباشرة ربما يتفق اكثر العراقيين على اعتبارها الاخطر على مستقبل العراق السياسي والامني ومنها التباين الكبير في فهم وتفسير نصوص الدستور العراقي وخصوصا المتعلقة بإدارة المراكز القيادية او توزيع الثروات و انعدام الثقة بين اطراف العملية السياسية ويكرس هذا المعنى الانقسام الحاد داخل مؤسسات الدولة التشريعية و التنفيذية نتيجة غياب التعاون والعمل بروح الفريق الواحد لاختلاف الاهداف و الغايات والارتباطات و المصالح اضافة الى كفر العديد من اطراف العملية السياسية بخيار الديمقراطية لقيادة الحياة في العراق واستبدالها بمنهج المحاصصة و التوافقات الانية التي سرعان ما تنهار عند حدوث اي متغير سياسي او اقتصادي من شأنه اعادة ترتيب اولويات العمل الحكومي . لقد غيبت هذه الاسباب وغيرها احد اهم وابرز مخرجات النظام الديموقراطي  و المتمثلة بوجود معارضة برلمانية قوية تولد مباشرة بعد تشكيل الحكومة وتعمل الى جانبها ليؤدي مجلس النواب دوره الرقابي الدستوري الفاعل والا فان حكومة بلا معارضة كجسم بلا مناعة سرعان ما تفتك به الآفات و السموم أو لان  السلطة التنفيذية حينما لا تشعر بسيف الرقيب مسلط على رقبتها فأنها تستمر في العمل وفقا لرؤيتها الضيقة . أن غياب المعارضة الذي ساهم به الجميع نتيجة تبني مفهوم المحاصصة و التوافق في توزيع ادارات الدولة ساهم بشكل مباشر في حماية و تعزيز الفشل والارهاب والفساد بأعراف وقواعد سلوك سياسية ولدت من رحم المحاصصة الفاسدة حيث نسمع عشرات التصريحات الطنانة المتبادلة التي لا يقصد منها سوى ابتزاز الخصوم والتي تشير الى امتلاك هذا الطرف او ذاك لوثائق ادانة تثبت تورط جهات او شخصيات كبيرة بعمليات مخالفة للقانون قد تصل الى درجة ارتكاب جرائم بشعة دون ان ينالوا جزائهم العادل . أن عملية بناء الدولة وفقا لمبادئ الديمقراطية انما تهدف إلى توحيد أبناء الدولة حول روابط ثقافية واجتماعية وتاريخية تربطهم كأمة حيث ينمو و يتعزز مفهوم المواطنة وفي حالة تعطل مؤسسات الدولة و عجزها عن تكريس هذه المفاهيم كما هو الحال في العراق حاليا ، تصبح عملية البناء السياسي السليم تحديا بالغ الصعوبة لهشاشة الركائز الاساسية التي بنيت عليها العملية السياسية و تنذر بفتح الابواب امام ازمة تقود الى مأزق وطني شامل . ان مثل هكذا ازمة لا يمكن ان نعدها الا بمثابة المرض الخطير الذي يهدد مستقبل البلاد بشكل عام حيث لا يمكن ان نتوقع اي نمو او ازدهار في ظل عملية سياسية تتجاذب اطرافها صراعات و مهاترات كبيرة تقف عائقا امام اي تطور حضاري او نمو مدني فهي بمثابة الفشل الكلوي الذي يصيب جسم الانسان حيث لا امل في الشفاء الا بأجراء تداخل جراحي لزرع كلية جديدة بعملية محفوفة بالمخاطر و بنسب نجاح متدنية و رغم ذلك يبقى الحل الامثل عوضا عن الحلول الترقيعية التي قد تفقد فعاليتها بشكل تام ...